الخميس، 30 ديسمبر 2010

ما نُسِبَ إلى الإمام النسائي من التشيع بقلم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحيم البخاري


ما نُسِبَ إلى الإمام النسائي من التشيع


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم



الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ و آله وصحبه وسلَّم، أمَّا بعد: 

ففي أثناء تدريسي لمادة (كُتب السُّنَّة) في كلية الحديث الشريف، كتاب (المجتبى) للإمام النسائي، تطرَّقنا في ترجمته حول ما نُسبَ إليه رحمه الله من (التَّشيعِ)، فتأملتُ في ذلك وكتبتُ هذه الوريقات، لعل الله أن ينفع بها، إنه سميعٌ مجيب، فكان أن قلتُ:

قد ذكر جماعةٌ من أهل العلم أن الإمامَ النسائيَّ كان متشيعًا:
قال ابنُ خلِّكان [ في الوفيات (1/ 77)]: "وكانَ يَتَشيَّع".
وقال شيخ الإسلام [ منهاج السنة (7/ 373)]: "وتشيَّع بعض أهلِ العلم بالحديثِ؛ كالنسائيِّ....".
وقال الذَّهبي [ السير (14/ 133)]: "فيه قليل تَشَيُّعٍ وانحرافٍ عنْ خُصوم الإمام علي كمعاويةَ وعمروٍ، والله يُسامحه".
والذي دعاهم إلى وصفه بذلك هو تَصنيفُه لكتابَ "خصائص علي رضي الله عنه"، وتُنْظَر قصة تصنيفِه للكتاب في [ بغية الراغب المتمني) للحافظ السخاوي (ص120-121)].


وأيضًا ما جاء في ترجمته من [تهذيب الكمال (1/ 339)]: أنَّ محمد بن إسحاق الأصبهاني قال: "وخرجَ إلى دمشق، فسُئِلَ بها عن معاويةَ بنِ أبي سفيان، وما رُويَ من فضائلِه؟ فقال: ألا يَرْضَى معاويةُ رأسًا برأسٍ، حتى يُفضَّل؟ فمازالوا يدفعون في حِضنَيْهِ حتى أُخرج من المسجد، ثم حُمِلَ إلى مكةَ ومات بها".
والجواب عن هذا الأمر من وجوه:


الوجه الأول: نقل شيخُ الإسلام في "العقيدة الواسطية" عن أهل السُنَّة أنَّهم :"يُقرِّون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه وغيرِه من أن خيرَ هذه الأمَّةِ بعد نبيِّها أبو بكر ثم عمر، ويُثَلِّثُون بعثمان، ويُرَبِّعون بعليٍّ رضي الله عنهم، كما دلتْ عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمانَ وعليٍّ رضي الله عنهما، بعد اتفاقِهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل؟
فقدم قوم عثمان وسكتوا، أو رَبَّعوا بعلي، وقدم قوم عليًّا، وقوم توقفوا. لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، وإن كانت هذه المسألةُ – مسألةَ عثمان وعلي – ليست من الأصول التي يُضلَّلُ المخالفُ فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يُضَلَّلُ فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله". [ الواسطية (ص: 242)].
إذا عُلِم هذا! فَمَنْ وُصِفَ من أهل العلم المتقدِّمين بالتَّشَيُّعِ، إنَّما هُو في تقديم عليٍّ على عثمانَ في الفضل لاَ فِي الْخِلافةِ.



الوجه الثاني: أن الإمام النسائي قد بين سببَ تأليفِه لكتاب "خصائص علي رضي الله عنه" في قوله: "دخلتُ دمشق والمنحرفُ عن عليٍّ بها كثير، فصنَّفتُ كتاب "الخصائص" رجاءَ أن يهديَهم الله".
فهو أراد بهذا التأليف النصح للأمة، وتقويم الاعوجاج الَّذي حصلَ.



الوجه الثالث: قال الحافظُ ابنُ عساكر مُعلقًا على هذه القصة: "هذه الحكاية لا تَدلُّ على سوءِ اعتقادِ أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تَدلُّ على الكفِّ في ذكره بِكُلِّ حال" ثم روَى بإسنادِه إلى أبي الحسين علي بن محمد القابسيِّ قال: سمعت أبا عليٍّ الحسن ابن أبي هلال يقول: سُئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما الباب كدار بها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذَى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب؛ إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية، فإنما أراد الصحابة" [ تهذيب الكمال (1/339)].



الوجه الرابع: يُؤيِّد ما تقدَّم أنه لما ألَّف "مَناقب الصحابة" ذكَرَهم في ترتيب مناقبِهم على ترتيبهم في الخلافة، فقال مُعنوِنًا: "كتاب المناقب/ مناقب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والنساء".

ثُمَّ بوَّب فقال:

"باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه".

و"باب فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما".

و"باب فضل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم".

و" باب فضل علي رضي الله عنه".

[السنن الكبرى (7/ 293-306)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وغيرِه].



الوجه الخامس: أنَّ قول النسائي لَمَّا طُلِبَ منه أن يُخرجَ فَضائل معاوية رضي الله عنه قال: "أيَّ شيءٍ أُخرج؟! (اللهم لا تُشْبِعْ بَطنَه)!".

ُيُريدُ به أنه - رحمه الله- لا يَحْفَظُ عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية إلا أحاديثَ قليلةً، على اعتبار أنَّ الأحاديث الصَّحيحة في فضلِهِ خاصةً قليلةٌ جدًّا، قال الإمَام إسحاق بن راهويه: "لا يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية بن أبي سفيان شيءٌ". [ "المغني" للموصلي (ص:165)]


قال الإمام ابن القيم في [ المنار المنيف (ص:116-117)] بعد إيراد كلمة الإمام إسحاق: "قلتُ: ومراده ومراد من قال ذلك من أهل الحديث: أنه لا يصحُّ حديثٌ في مناقبِهِ بخصوصِهِ، فما صحَّ في مناقب الصحابة على العموم، ومناقب قريش، فمعاويةُ رضي الله عنه داخلٌ فيه".


ثم إن النسائي لما ذكر حديث " اللهم لا تشبع بطنه"، إنما ذكره عادًّا له أنه من مناقب وفضائل معاوية رضي الله عنه؛ لحديث مسلمٍ " اللهم إنما أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، فمن لعنته أو سببته؛ فاجعل ذلك له زكاة ورحمة"، ولم يرد رحمه الله التنقُّصَ من معاوية رضي الله عنه أبداً، وهذا الذي فهمه الإمام النسائي منَ الحديثِ أنه فضيلة لمعاوية رضي الله عنه، فهمه أيضا الإمام مسلمٌ حيثُ أورد الحديثَ المشارَ إليه في ( صحيحه) تحت كتاب "البر والصلة والآداب"، وكذا الحافظ الذهبي في [" تاريخ الإسلام " – حوادث ووفيات (301-310هـــــ) ص:108].



الوجه السادس: قوله: " ألا يَرضَى معاويةُ رأسًا برأسٍ حتى يُفضَّلَ؟!".

أراد رحمه الله الإجابةَ عمَّن سأله أن يُخرج فضائل معاوية رضي الله عنه؛ ليكونَ بذلك أفضل من عليٍّ رضي الله عنه، فأجابَهُ بِهذا الجواب، وهُو بِهَذا الجواب موافقٌ لتقرير أهل السُّنَّةِ مِنْ أنَّ أفضل الصَّحابة هم: الخلفاء الرَّاشدون الأربعة رضي الله عن الجميع.
فكيف يُساوَى مُعاوية رضي الله عنه بعليٍّ رضي الله عنه، فضلاً أن يُقدَّمَ عليه؟!

ومعلومٌ أن عليًّا رضي الله عنه من السَّابقين الأوَّلين في الإسلام، ومعاوية رضي الله عنه من آخر الصَّحَابة إسلاماً، قال تعالى: { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10].
وعليٌّ زيادةً على ما سبق؛ فهو رابعُ الخلفاء الرَّاشدين، وأحدُ العَشرةِ الْمُبَشَّرين بالجنَّة، ومنْ أهلِ بَدرٍ، ومِمَّنْ بَايعَ تَحتَ الشَّجرةِ، وغيرها منَ الفَضَائلِ الكثيرة رضي اللهُ عنِ الجميعِ. 


الوجه السابع: أن التَّشيُّعَ الَّذي أطلقهُ العُلَماء هُو عَلَى مَنْ فضَّل عليًّا علَى عُثمانَ لا مَنْ فَضَّل عليًّا علَى مُعَاويةَ رضي الله عن الجميع، والإمامُ النَّسائيُّ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَان رضي الله عنه البتَّة، ولا فَضَّل عليًّا عليه؟! فتأمَّل.


وخِتامًا: فَالإمامُ النَّسائيُّ سُنيٌّ، سَلَفيُّ الاعتقادِ والاستدلال، وليس متشيِّعاً.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّم. 



وكتبه

عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -كان الله له-

المدينة النبوية


من موقع الشيخ عبدالله بن عبدالرحيم البخاري حفظه الله

الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

ترجمة الحافظ المزي


ترجمة الحافظ المزي

1- الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر (6/228-233/2608-طبع الهند) :
[ يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزهر الحلبي الأصل المزي ، أبو الحجاج جمال الدين الحافظ .
ولد في ربيع الآخر سنة ( 654 ) بالمعقلية بظاهر حلب فلو كان له من يستجيز له لأدرك إجازة المرسي ، والمنذري ، واليلداني ، ونحوهم ولو كان له من يسمعه صغيراً لسمع من ابن عبد الدائم ، والكرماني ، وغيرهما ، ولكنه طلب بنفسه في أول سنة خمس وسبعين فأكثر عن أحمد بن أبي الخير ، والمسلم ابن علان والفخر ابن البخاري ونحوهم من أصحاب ابن طبرزد والكندي والحرستاني وسمع الكتب الطوال كالستة ، والمسند ، والمعجم الكبير ، وتاريخ الخطيب ، والنسب للزبير والسنن الكبير ، والمستخرج على مسلم ، والحلية ، والدلائل ، ومن الأجزاء الوفاء ، ومشيخته نحو ألف شيخ وأخذ عن الشيخ محيي الدين النووي وغيره وسمع بالشام والحرمين ومصر وحلب والإسكندرية وغيرها وأتقن اللغة والتصريف وكان كثير الحياء والاحتمال والقناعة والتواضع والتودد إلى الناس مع الانجماع عنهم قليل الكلام جداً حتى يسئل فيجيب ويجيد وكان لا يتكثر بفضائله ولا يغتاب أحدا ويتوجه إلى الصالحية ماشيا إلى أن دخل في العشر التسعين وهو على ذلك وكان مغرى بالمطالب فلا يزال في فقر وأول ما حصل له من الوظائف الناصرية بعد ابن أبي الفتح ثم دار الحديث الأشرفية بعد ابن الشريشي وقال ابن تيمية لما باشرها المزي لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط الواقف منه لقول الواقف فإن اجتمع من فيه هذه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الرواية .
قال الذهبي : ما رأيت أحداً في هذا الشأن أحفظ منه .
وكان في شبيبته صحب العفيف التلمساني فلما تبين له ضلاله هجره قال وكان يترخص في الأداء من غير الأصل ويصلح من حفظه ويسامح في دمج القارى ولغط السامعين ويعتمد في ذلك الإجازة وكان يتمثل بقول ابن منده يكفيك من الحديث شمه وأوذي مرة في سنة ( 705 ) بسبب ابن تيمية لأنه لما وقعت المناظرة له مع الشافعية وبحث مع الصفي الهندي ثم ابن الزملكاني بالقصر الأبلق شرع المزي يقرأ كتاب خلق أفعال العباد للبخاري وفيه فصل في الرد على الجهمية فغضب بعض وقالوا نحن المقصودون بهذا فبلغ ذلك القاضي الشافعي يومئذ فأمر بسجنه فتوجه ابن تيمية وأخرجه من السجن فغضب النائب فأعيد ثم أفرج عنه وأمر النائب وهو الأفرم بأن ينادى بأن من يتكلم في العقائد يقتل قال الذهبي لم يخرج لنفسه شيئا لا مشيخة ولا معجما ولا فهرست ولا عوالي إنما أملى قليلا ثم ترك وكان يلام على ذلك فلا يجيب وصنف تهذيب الكمال فاشتهر في زمانه وحدث به خمس مرار وحدث بكثير من مسموعاته الكبار والصغار عاليا ونازلا وغالب المحدثين من دمشق وغيرها قد تلمذوا له واستفادوا منه وسألوه عن المعضلات فاعترفوا بفضيلته وعلو ذكره وبالغ أبو حيان في القطر الحي في تقريظه والثناء عليه وكذلك ابن سيد الناس في أجوبة أبي الحسين بن أيبك قال : ووجدت بدمشق من أهل العلم الإمام المقدم والحافظ الذي فاق من تأخر من أقرانه ومن تقدم أبا الحجاج بحر هذا العلم الزاخر وحبره القائل كم ترك الأول للآخر أحفظ الناس للتراجم وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم لا تخص معرفته مصرا دون مصر ولا ينفرد علمه بأهل عصر معتمدا آثار السلف الصالح مجتهدا فيما نيط به في حفظ السنة من المصالح معرضا عن الدنيا وأسبابها مقبلا على طريقته التي أربى بها على أربابها لا يبالي ما ناله من الأزل ولا يخالط جده بشيء من الهزل وكان بما يضعه بصيرا وبتحقيق ما يأتيه جديرا وهو في اللغة أيضا إمام وله بالقريض معرفة وإلمام فكنت أحرص على فوائده لأحرز منها ما أحرز وأستفيد من حديثه الذي إن طال لم يمل وإن أوجز وددت أنه لم يوجز وكانت رؤية ابن سيد الناس له بعد سنة تسعين وكان معتدل القامة مشربا حمرة قوي الركب متع بذهنه وحواسه وكان يستعمل الماء البارد مع الشيخوخة ويحكم ترقيق الأجزاء وترميمها ويعتني بكتابة الطباق عليها قال الصفدي سمعنا صحيح مسلم على البندنيجي وهو حاضر فكان يرد على القارئ فيقول القارئ وهو ابن طغريل ما عندي إلا ما قرأت فيوافق المزي بعض من حضر ممن بيده نسخة إما بأن يجد فيها كما قال أو يقول مطفر عليه أو مضيف أو في الحاشية ولما كثر ذلك منه قلت له ما النسخة الصحيحة إلا أنت قال ولم أر بعد أبي حيان مثله في العربية خصوصا التصريف ولم يكن مع توسعة في معرفة الرجال يستحضر تراجم غير المحدثين لا من الملوك ولا من الوزراء والقضاة والأدباء ونحو ذلك حتى أني سألت عن القالي بالقاف فقال : أعرف الفالي بالفاء ، واستفدت منه فوائد وقواعد في علم الحديث لم أجدها في كتاب ولم آخذها عن مجاب وقال الذهبي كان خاتمة الحفاظ وناقد الأسانيد والألفاظ وهو صاحب معضلاتنا وموضح مشكلاتنا حفظ القرآن في صباه وتفقه للشافعي مدة وعنى باللغة فبرع فيها وأتقن النحو والصرف وله عمل في المعقول ومعرفة بشيء من الأصول وكتابته حلوة وفيه حياء وحلم وسكينة واحتمال وقناعة وترك للتجمل وانجماع عن الناس وصبر على من يؤذيه وقلة كلام إلا أن يسئل فيفيد وكان معتدل القامة أبيض أبطأ عنه الشيب ومتع بحواسه وذهنه ولم يكن له مركوب بل كان يصعد إلى الصالحية ماشيا وهو في العشر التسعين وكان طويل الروح ريض الخلق جدا لا يرد بعنف ولا يتكثر بفضائله ولا يكاد يغتاب أحدا وكان يستحم بالماء البارد في الشيخوخة قال وما علمته خرج لنفسه عوالي ولا موافقات ولا معجما وكنت ألومه على ذلك فيسكت قال ولو كان لي رأي للازمته أضعاف ما جالسته فإنني أخذت عنه هذا الشأن بحسبي لا بحسبه وكان لا يكاد يعرف قدره إلا من أكثر مجالسته قال ولو كان مع حسن خطه ذا إتقان قل أن يوجد له غلطة أو يؤخذ عليه لحنة وكان خيرا ذا ديانة وتصون من الصغر وسلامة باطن وعدم دهاء وكانت فيه سذاجة قد توقعه على أمر فيأكله ويستأكله حتى لا يزال في إفلاس حتى احتاج إلى بيع أصله بتهذيب الكمال بخطه وكان مأمون الصحبة حسن المذاكرة خير الطوية محبا للآثار معظما لطريقة السلف جيد المعتقد وكان اغتر في شبيبته وصحب العفيف التلمساني فلما تبين له ضلاله هجره وتبرأ منه وكان أوذي مرة واختفى بسبب إسماعه لتاريخ الخطيب وأوذي أخرى بسبب قراءته كتاب خلق أفعال العباد كما تقدم مرض أياماً يسيرة ولم ينقطع وعرض له بعد أن أسمع الحديث إلى قرب التوجه إلى الجمعة وقام ليتأهب وجع في باطنه ظنه قولنجا وإنما كان طاعونا - قاله صهره ابن كثير -
وقال : فاستمر به إلى أن مات بين الظهر والعصر من يوم السبت 12 صفر سنة ( 742 ) وهو يقرأ آية الكرسي وصلى عليه من الغد بالجامع ثم خارج باب النصر ثم دفن بمقابر الصوفية بالقرب من ابن تيمية وكان الجمع في جنازته متوفرا جدا ولما مات جمع الحافظ صلاح الدين العلائي جزءا سماه سلوان التعزي عن الحافظ المزي ومن نظمه إن عاد يوما رجل مسلم أخا له في الله أو زاره فهو جدير عند أهل النهى بأن يحط الله أوزاره ] . انتهى كلام الحافظ ابن حجر .


2-طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (10/395/1417) سوما بعده :
[ يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك ابن علي بن أبي الزهر الكلبي القضاعي الدمشقي ، شيخنا وأستاذنا وقدوتنا الشيخ : جمال الدين أبو الحجاج المزي حافظ زماننا حامل راية السنة والجماعة والقائم بأعباء هذه الصناعة والمتدرع جلباب الطاعة إمام الحفاظ كلمة لا يجحدونها وشهادة على أنفسهم يؤدونها ورتبة لو نشر أكابر الأعداء لكانوا يودونها واحد عصره بالإجماع وشيخ زمانه الذي تصغي لما يقول الأسماع والذي ما جاء بعد ابن عساكر مثله وإن تكاثرت جيوش هذا العلم فملأت البقاع جد طول حياته فاستوعب أعوامها واستغرق بالطلب لياليها وأيامها وسهر الدياجي في العلم إذا سهرها غيره في الشهوات أو نامها 
ذكره شيخنا الذهبي في تذكرة الحافظ وأطنب في مدحه وقال : " نظر في اللغة ومهر فيها وفي التصريف وقرأ العربية وأما معرفة الرجال فهو حامل لوائها والقائم بأعبائها لم تر العيون مثله " . انتهى . 
وذكره في المعجم المختص وأطنب ثم قال : " يشارك في الفقه والأصول ويخوض في مضايق المعقول فيؤدي الحديث كما في النفس متناً وإسناداً وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم " . انتهى . 
ولا أحسب شيخنا المزي يدري المعقولات فضلاً عن الخوض في مضايقها فسامح الله شيخنا الذهبي . 
وقد قدمنا في ترجمة الشيخ الإمام الوالد أني سمعت شيخنا الذهبي يقول ما رأيت أحفظ منه وأنه بلغني عنه أنه قال ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي وترتيبهم حسبما قدمناه . 
وأنا لم أر من هؤلاء الأربعة غير المزي ولكن أقول ما رأيت أحفظ من ثلاثة المزي والذهبي والوالد على التفصيل الذي قدمته في ترجمة الوالد وعاصرت أربعة لا خامس لهم هؤلاء الثلاثة والبرزالي فإني لم أر البرزالي وكان البرزالي يفوقهم في معرفة الأجزاء ورواتها الأحياء وكانت الثلاثة تعظم المزي وتذعن له ويقرءون عليه ويعترفون بتقديمه .
وبالجملة كان شيخنا المزي أعجوبة زمانه يقرأ عليه القارئ نهارا كاملا والطرق تضطرب والأسانيد تختلف وضبط الأسماء يشكل وهو لا يسهو ولا يغفل يبين وجه الاختلاف ويوضح ضبط المشكل ويعين المبهم يقظ لا يغفل عند الاحتياج إليه وقد شاهدته الطلبة ينعس فإذا أخطأ القارئ رد عليه كأن شخصا أيقظه وقال له قال هذا القارئ كيت وكيت هل هو صحيح وهذا من عجائب الأمور وكان قد انتهت إليه رئاسة المحدثين في الدنيا 
ومن ذكرناه من الثلاثة قد عرفناك أنهم مع علو رتبتهم يعترفون له أما الذهبي فثناؤه عليه قد أنبأناك به وقد ملأ تصانيفه وأما البرزالي فتلميذه وقارئه في دار الحديث الأشرفية وغيرها وأما الشيخ الإمام فلقد كان كثير الإجلال له كان الشيخ الحافظ يجيء في كثير من الأيام ومعه جماعة من الطلبة وجزء من سماع الشيخ الإمام وربما كان مما اشترك معه في سماعه فيقرأ على الشيخ الإمام وعليه والشيخ الإمام مع ذلك يعطيه من التعظيم ما هو مستحق له ولقد حكى لي فيما كان يحكيه من تسكين فتن أهل الشام أنه عقب دخوله دمشق بليلة واحدة حضر إليه الشيخ صدر الدين سليمان بن عبد الحكم المالكي وكان الشيخ الإمام يحبه قال دخل إلي وقت العشاء الآخرة وقال أمورا يريد بها تعريفي بأهل دمشق قال فذكر لي البرزالي وملازمته لي ثم انتهى إلى المزي فقال وينبغي لك عزله من مشيخة دار الحديث الأشرفية قال الشيخ الإمام : فاقشعر جلدي وغاب فكري وقلت في نفسي هذا إمام المحدثين والله لو عاش الدارقطني استحيي أن يدرس مكانه . 
قال : وسكت ثم منعت الناس من الدخول علي ليلاً وقلت هذه بلدة كبيرة الفتن فقلت أنا للشيخ الإمام إن صدر الدين المالكي لا ينكر رتبة المزي في الحديث ولكن كأنه لاحظ ما هو شرط واقفها من أن شيخها لا بد وأن يكون أشعري العقيدة والمزي وإن كان حين ولي كتب بخطه بأنه أشعري إلا أن الناس لا يصدقونه في ذلك . 
فقال : أعرف أن هذا هو الذي لاحظه صدر الدين ولكن من ذا الذي يتجاسر أن يقول المزي ما يصلح لدار الحديث والله ركني ما يحمل هذا الكلام 
فانظر عظمة المزي عنده ] . لم ينتهي كلام السبكي ؛ فانظره ؛ فإنه مفيد للغاية .

3-النجوم الزاهرة (10/76-77 ) :
[ وتوفي الحافظ الحجة جمال الدين أبو الحجاج : يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك بن أبي الزهر القضاعي الكلبي المزي الحلبي المولد ولد بظاهر حلب في عاشر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة ومات بدمشق في ثاني عشر صفر وكان إمام عصره أحد الحفاظ المشهورين ، سمع الكثير ورحل وكتب وصنف ، وقد ذكرنا عدة كبيرة من مشايخه وسماعاته في ترجمته في المنهل الصافي ونبذة كبيرة من أخباره ، ومن مصنفاته كتاب تهذيب الكمال وهو في غاية الحسن في معناه ] . انتهى .